سجال عبد العال والأهرام ... بقلم بهجت العبيدى

سيظل هناك ذلك التشابك بين السلطة والإعلام، ذلك لا محالة حادث وواقع، فالصحافة هي عين الأمة التي ترصد، وتحلل وتقترح، وهي ضمير الشعب الذي يراقب وينتقد ويثير الرأي العام مؤيدا أو معارضا، ويظل المسؤولون في شد وجذب مع الصحافة، في محاولة مستميتة لترويضها، وذلك لمعرفة المسؤول بالخطر الداهم الذي يمكن أن يصيبه لو أن الصحافة تناولته بسوء، ذلك التناول الذي فيه، مهما كانت قوته، نهايته لا محاله، حال لم يعتبر النقد الصحفي شعاع ضوء مسلط على نقيصة، عليه أن يتخلص منها، أو على خلل في منظومته، عليه أن يصلحه، أو على عيب في طريقته، عليه أن يصححه. 

أتذكر، فيما درسنا، كيف كانت مقالة من كاتب في حجم جوناثان سويفت ( 1667 / 1745 ) في إنجلترا، تسقط وزارة، في القرن الثامن عشر، ذلك الذي يعكس كيف كان هناك حرية للصحافة في إنجلترا في ذلك الوقت من ناحية، وكيف كان تفاعل الجمهور مع ما يُكْتَب في المجلات التي كانت تباع في المقاهي آنذاك، وينتظرها الشعب الإنجليزي للتعرف على الأخبار، والتي كانت ولا شك أبطالها هم المسؤولون والحكومة والسلطات المختلفة من ناحية أخرى. 

لم تتقدم أمة قط كممت أفواه أبنائها، أو أصم مسؤولوها آذانهم عما يصدر عن مفكريها، أو أعمت عيونها عما يكشفه كتابها من خلل في المنظومات المتعدد عندها، وإنما تقدمت الأمم التي أشاعت فضاء الحرية، وأرهفت السمع لكل فكرة، تتدارسها، ورأت بقلبها قبل عينها ما يفسد منظوماتها من عمل، فأصلحته عن حب ورغبة في التقدم والرقي، ولا سبيل إلى ذلك كله إلا الكلمة، التي تقال: مسطورة أو منطوقة، والتي مكانها الأول هو الإعلام الراصد الكاشف المقترح.

لم أفاجأ بالأزمة بين الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب والمؤسسة الإعلامية الأعرق في المنطقة العربية والشرق الأوسط مؤسسة الأهرام، تلك المؤسسة التي نتباهى بها تباهينا بعراقة مجلس النواب، ويأتي عدم تفاجؤي بهذه الازمة، من ذلك الضيق الذي ينتاب المسؤولين لمجرد أي خبر سلبي، وإن كان ذلك يبدو لدينا مُتَفَهَماً من مسؤولي السلطة التنفيذية، فإنه يبدو مستغربا من مسؤول السلطة التشريعية الرقابية التي يجب أن يكون الإعلام أحد أعينها الراصدة. 

أرى أن السيد رئيس المجلس المبجل قد جانبه التوفيق فيما جاء نصه:  "الإعلام بيهاجم، وأحد النواب اتكلم هنا فى الجلسة، وطلعت علينا صحيفة "إحنا اللى بنصرف عليها" وهى الاهرام وندفعلها من "أموال الدولة" ولا تحقق عائد رغم ما لديها من شركات ومطابع ولكنها للأسف أبتليت بإدارة لا تدير طبقا للمعايير الاقتصادية وشوهت الحقيقة".

حيث أن "مال الشعب" هو الذي يُنْفَق منه على كل مؤسسات الدولة، التي يستوي فيها مؤسسة الأهرام ومؤسسة البرلمان، كما أن مؤسسة الأهرام ليست هي الوحيدة بين مؤسسات الدولة التي تخسر ولا تحقق ربحا، وإن كانت كذلك، فلماذا لا يتذكر المسؤولون هذا الأمر إلا حينما أصابهم سهم من سهام السلطة الرابعة( صاحبة الجلالة ).

هذا الهجوم من رئيس مجلس النواب لم يمر مرور الكرام حيث أخرج السيد رئيس مجلس إدارة الأهرام  أحمد السيد النجار، عن صمته ليبدي استياءه من ما وصفه بتطاول البعض «في إشارة منه إلى الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب» على مؤسسة الأهرام التي تمثل عمود الخيمة في الصحافة المصرية، مطالبًا بضرورة تقديم الأخير اعتذارًا فوريًا.

وأردف النجار في تدوينة له على فيس بوك: «لا أنزلق عادة إلى الرد على مهاترات الصغار، لكن عندما يتعلق الأمر بمسئول لا يطيق أن تقوم الصحافة بدورها الرقابي والنقدي والكاشف للحقائق وهو جوهر دورها، وعندما يتعلق الأمر أيضا بمسئول لا يزن الكلمات قبل إطلاقها بغير علم بشأن مؤسسة عظيمة لم يحلم البعض أن يدخلها أو حتى يسير أمامها فليس أمامي سوى الرد وبشكل رسمي فما عاد في قوس الصبر منزع».

ولعلنا نأخذ من هذه الحادثة! بين السلطة التشريعية ومؤسسة الأهرام درسا يكون بداية لنؤمن بالتكامل بين السلطات المختلفة، حيث المؤكد أنه لا يمكن أن تقوم لأمة قائمة تتصارع فيها السلطات، وتتعالى فيها كل واحدة على الأخرى.
تعليقات الفيس بووك

موضوعات متعلقة