السياحة الروسية والكرامة الوطنية .. بقلم بهجت العبيدى

لقد استهدفت الجماعات والقوى والدول التي تحارب مصر كل قطاع من شأنه أن يكون عنصر قوة، فلم يسلم أي مجال من مجالات الحياة من تلك الحرب الضروس التي تخوضها مصر من أجل الحفاظ على وجودها، ليس فقط وجودها، بل لو أردنا الحقيقة مجردة وجود المنطقة في مشروعها الوطني، ذلك الذي تسعى عديد القوى للنيل منه، لا لشيء سوى لتنفيذ ذلك المخطط الدولي، الذي يمكن أن يظن البعض، واهما، أنه قد انتهى برحيل النظام الأمريكي السابق برئاسة باراك أوباما. 

لقد تم استهداف مصر الدولة بداية من المحاولات المستميتة للقضاء على مؤسساتها القوية بدءًا من الشرطة في الخامس والعشرين من يناير، والتي لم تكن بداية المخطط بل  كانت ذروة سنامه، وصولا لمحاولة القضاء على العقبة الكؤود في سبيل تنفيذ المخطط في المنطقة كلها وهو الجيش المصري الأبي، الذي كان الصخرة التي تحطمت عليها أحلام وأوهام أعداء هذا البلد وهذه الأمة.

بفضل بسالة جيشنا، وقوة إرادة شعبنا، اصطدم مشروع تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ، ذلك الذي لا يصب إلا في مصلحة العدو الصهيوني، اصطدم المشروع بسد منيع متمثلا في جيش خير أجناد الأرض، ولكن أصحاب المشروع لا ييأسون، وبطبيعتهم يريدون تحقيق أقصى مكسب، فلم يريدوا أن يخرجوا من المعركة خالين الوفاض، فعمدوا على إضعاف الدولة المصرية، وكان سبيلهم لذلك عدة محاور، ترتبط جميعها بعضها البعض ارتباطا عضويا، فاتخذوا من الإرهاب وسيلة لاستهداف الجيش والشرطة، وترويع الآمنين، وإشعال فتنة طائفية، ومنع السياحة عن مصر.

لقد كان المحور الاقتصادي أحد أهم ساحات الحرب على الدولة المصرية، فاستخدموا الإرهاب وسيلة لهروب رؤوس الأموال التي لا تستقر إلا في موطن مستقر وبيئة آمنة، كما كان الإرهاب سببا مباشرا في عزوف السياح الأجانب عن اتخاذ مصر وجهة ومقصداً لقضاء عطلاتهم، خاصة بعد تلك الضربة القوية بتحطيم الطائرة الروسية في سيناء، والتي كانت نتيجتها منع السياحة الروسية التي كانت أهم شرايين السياحة لمصر.

وفي مواجهة مصر لهذه الحرب الشرسة على عدة أصعدة، تسعى مصر لبث الطمأنينة في نفوس الدول المختلفة خاصة تلك التي تمثل أهمية بالنسبة لها في محاور متعددة ومنها روسيا التي انفتحت عليها مصر في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتتناغم السياسة المصرية مع نظيرتها الروسية في عدة قصايا، ما عكس ذلك التقارب بين الزعيمين: السيسي وبوتين، وهو ما كان له منغصات لدى كارهي مصر والذين يسعون لتحجيم الدور المصري في المنطقة وحول العالم.

إن التقارب المصري مع أية قوى، والتنسيق المصري مع أية دولة ليس له إلا هدف واحد هو الصالح العام للدولة المصرية التي لا تتخلى عن ثوابتها والتي على رأسها كرامة الدولة والشعب، وهو ما يتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسي مقدسا من المقدسات الوطنية، تقديسا نابعا من تقديس الوطن، وذلك ما يعني أنه لا تفريط في حبة رمل أو كرامة مهما كانت الضغوط، ومهما كانت أيضا المغريات، فالسيسي ليس بالزعيم الذي تنفع معه الجزرة، ولا يجدي معه العصا، لأنه ببساطة، الأصالة المصرية العميقة، والعسكرية المصرية الأبية.

ظهر ذلك واضحا جليا في مواقف مصر الذي يمثلها رجل، خلفه رجال أشداء، يرضون الجوع ولا يقبلون المهانة، يتحملون الصعاب، ولا يخضعون لمذلة، إنها الروح المصرية التي تظهر في الشدائد قوية عفية، وتتجلى في  أصعب المواقف وأشد الظروف، لتعلن أنها لا تنحني، ولكنها تتعامل مع الجميع مهما كانت الظروف تعامل الند بالند، حفاظا على كرامة مصر وكرامة شعبها، ذلك الذي يتجلى في أبهى صورة من تلك الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام من رفض الرئيس عبد الفتاح السيسي لوثيقة أمن المطارات مع الجانب الروسي حيث تحفظت مصر  على البند رقم (2)، الذي يُعطي لروسيا حق التفتيش داخل المطارات، وأصرت القاهرة أن يكون التفتيش مشتركًا.
كما تحفظت مصر أيضًا على البند رقم (5)، الذي يمنح الروس حق إنشاء مكتب أمني بمطاراتها، يكون من حقه متابعة عمليات التأمين داخلها، ويكون من حقه كتابة تقارير أمنية عن الأوضاع، حيث أن أجهزة الدولة تتمسك بأن يكون تفتيش الطائرات الروسية مشتركًا وليس مقصورًا على الجانب الروسي.

ما عكس سياسة مصر التي لا تقبل إلا سيادة كاملة على كل حبة من حبات رمالها وكل ذرة من ذرات ترابها، ومهما كانت المعاناة التي تعانيها، والظروف التي تنتابها، فإن مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي ستظل محافظة على سيادتها الوطنية وكرامتها الأبية.
تعليقات الفيس بووك

موضوعات متعلقة