تزامنا مع الاستعدادات الرسمية والشعبية للاحتفالات بأعياد الميلاد، وإصدار فتاوى رسمية من الجهات الرسمية بجواز تهنئة شركاء الوطن بأعيادهم، جدد ياسر برهامى نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية فتواه بتحريم تهنئة الأقباط بأعياد الميلاد، ليس هذا فحسب بل زعم أن ذلك أشر من شرب الخمر والوقوع فى الزنا، فيما انتقد الدكتور محمد عبد العاطى، عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، هذه الفتوى واصفا مصدرها بالجاهل بعلم أصول الفتوى.
وجاءت فتوى "برهامى" المنشورة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" كما أعاد نشرها موقع "صوت السلف" بعنوان "هل تهنئة النصارى بأعيادهم تدخل في البِرِّ والإقساط إليهم؟ ردا على سؤال نصه:"هل يجوز تهنئة غير المسلمين في أعيادهم؟ وما القول في الذين يدعون أن التهنئة من البر لهم؟
وأجاب "برهامى" على هذا السؤال بفتوى نصها: "فأعياد المشركين تتضمن تعظيمًا لعقائدهم الكفرية: كميلاد الرب وموته وصلبه -والعياذ بالله-، فتهنئتهم بها شر مِن التهنئة على الزنا وشرب الخمر، وأقل أحوالها التشبه بهم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
أما البر فهو: كإطعام الجائع، وكسوة العارى، وإعطائه هدية يتألف بها، وليس مِن ذلك إقرارهم على باطلهم، والعيد شريعة يشرعها الله، فمشاركتهم وتهنئتهم إقرارٌ بباطلهِم وتشريعهِم، وهذا مما لم يأذن به الله عز وجل".
من جانبه، انتقد الدكتور محمد عبد العاطى، عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، فتاوى التيار السلفى التى تحرم تهنئة الأقباط بأعياد الميلاد، مؤكدا أن الدين الإسلامى هو دين سلام ومحبة وتحيته السلام، ونحن نعيش فى أرض مصر لا نجبر أحدا على اعتناق ديننا، ولكن هو له حق علينا أن نجامله ونبره ونقسط إليه ونتعامل معه كما يحب هو أن نتعامل معه.
وأضاف عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الفتاوى التى تصدر من التيار السلفى تحرم التهنئة لابد من التصدى لها، حيث إن شيوخ السلفية ليسوا متخصصين فى الفتاوى وليس لديهم علم يؤهلهم لإصدار فتاوى.
ولفت عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، إلى أن تهنئة الأقباط بأعياد الميلاد ليست حراما على المستوى الاجتماعى، حيث إننا لابد أن نفرق بين مستويين المستوى العقدى، وهو أننا لا نلزم المسلمين أن يؤمنوا بأن سيدنا المسيح مات وقتل، فنحن لا نؤمن بذلك وهذا لا نزاع عليه، ولكن هناك مستوى اجتماعى لابد أن ننتبه إليه، مشيرا إلى أن التهنئة بعيد المسيح فى الكريسماس، إنما نهنئ رجل يفرح بهذا اليوم، ونشارك فرحته باعتبارنا أهل بلد واحد نسكن فى دولة واحدة، وننتمى لوطن واحد.
بدوره، أكد الدكتور على محمد الازهرى أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر أن التعايش السلمي قد أقره القرآن ففي قول الله تعالى:” لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {8} إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
وأضاف أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر أنه جاءت السنة النبوية الصحيحة تؤكد على هذا الأمر روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنها – أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت علي وهي مشركة، وهي راغبة (أي في صلتها والإهداء إليها) أفأصلها؟ قال: “صلي أمك” ( متفق عليه).
وتابع أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر أنه إذا كان هذا هو الحال مع أهل الشرك بجواز برهم وصلتهم فما بالنا بأهل الكتاب؟!
وتابع استاذ العقيدة بجامعة الأزهر أنه قد أباح الله تعالى أكل طعامهم بل والزواج منهم فقال تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وجاءت السنة تأمر بضرورة حسن الخلق مع الجميع ففي الحديث النبوي اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” ( قال الترمذي : حسن صحيح) ولم يقتصر حسن الخلق على المسلمين فحسب بل جاء اللفظ مشمولًا بالعموم وخالق الناس كل الناس.
وفى إطار متصل، أكد الداعية الأزهرى أحمد البهى أن الجماهير من المسلمين لا تلتفت لفتاوى التيار السلفى وعليها متابعة المؤسسات الرسمية المنوط بها مثل تلك الأمور من فتاوى وتصحيح مفاهيم الدين، مطالبا المسئولين بضرورة التصدى بحسم لمن يتصدر للفتوى دون سند أو مؤهل ومنعهم من وسائل الإعلام حفاظاً على الخط الفكرى للبلاد.