لم يزر الإمام الحسين بن علي حفيد رسول الله صلي الله عليه و سلم مصر في حياته ، و لكنه زارها بعد استشهاده فكيف انتهت رأسه إلي مدفنها في مصر ؟
الإمام الحسين هو ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، و هو ابن فاطمة بنت النبي صلي الله عليه و سلم و حفيد رسول الله صلي الله عليه و سلم و سيد شباب أهل الجنة.
اسماه رسول الله الحسين و قال ” الحسين مني و أنا منه . من أحب الحسين أحبه الله. حسين سبط من الأسباط”.
استشهد الإمام الحسين في كربلاء في موقعة “الطف” التي دارت بين أنصاره و جيش يزيد بن معاوية. و ترجع أسباب الحرب إلي بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان ، فقد أرسل ابنه يزيد بن معاوية واليه علي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان إلي الإمام الحسين ليأخذ منه البيعة ليزيد ، أي لكي يبايع الحسين يزيد بن أبي سفيان خليفة للمسلمين . فرفض الإمام الحسين و أصر علي أن تكون البيعة عامة و لا تقتصر عليه وحده. و ترك الحسين المدينة و انتقل هو و أهله إلي مكة ليكون بعيداً عن أجواء التوتر.
و في تلك الأثناء رفض أهل الكوفة أن يتولي يزيد الخلافة خلفاً لوالده معاوية بن أبي سفيان ، و أرسلوا إلي الحسين بن علي يريدون أن يبايعوه ليكون خليفة المسلمين. و قدر عدد المتشيعين للحسين بحوالي 12 ألف، و قيل 30 ألفاً.
أرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلي أهل الكوفة ليعرف موقفهم و استعدادهم لمناصرته ، ولكن يزيد بن معاوية علم بقدوم مسلم فأرسل إلي واليه علي البصرة ليتعقب مسلم بن عقيل و يقتله هو من أتي معه. فقتله والي البصرة و أرسل برأسه و رؤوس من جاءوا معه إلي يزيد في دمشق.
و في يوم الثامن من ذي الحجة من عام 60 هج ، قرر الإمام الحسين الزحف إلي الكوفة ، و قد شد من أزره آنذاك أهل مسلم بن عقيل ليأخذوا ثأره ممن قتله.
و في كربلاء في العاشر من محرم سنة 61 هج دارت معركة حامية شارك فيها أكثر من ألف فارس من أتباع عبيد الله بن زياد والي البصرة من ناحية يزيد بن معاوية و أنضم إليهم أربعة آلاف مقاتل ، أما أتباع الحسين بن علي فقد كانوا قلة، فلم يخرج أهل الكوفة للقتال معه و لم يثبت معه إلا ثمانون رجلاُ ، قتلوا جميعاً و قتل إمامهم الحسين و فصلت رأسه عن جسده و سبيت نساء بيته من أخواته و بناته و أرسلن جميعاً إلي يزيد بن معاوية في دمشق.
بالنسبة لجسد الإمام الحسين رضي الله عنه ، فقد خرج قوم من بني أسد في العراق إلي ميدان الموقعة و قاموا بالصلاة علي سيدنا الحسين و أهل بيته ممن استشهدوا معه ، ثم قاموا بدفن الجثمان حيث موضعه اليوم بكربلاء .
مسجد الإمام الحسين بكربلاء العراق
أما رأسه التي أُرسلت إلي يزيد بن معاوية ، فقد قال المقريزي أن الرأس مكث مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام ، ثم أٌنزل في خزائن السلاح حتي ولي سليمان بن عبد الملك ، فبعث فجئ به و قد صار عظماً أبيضاً ، فجعله في سفط و طيبة و جعل عليه ثوباً و دفنه في مقابر المسلمين.
و هناك قول آخر للمؤرخين أن الرأس دفنت في مواضع كثيرة قبل أن تستقر في مدينة عسقلان في فلسطين ، و عندما جاءت الحملات الصليبية علي الشام و حاصر بلدوين الثالث مدينة عسقلان ، خشي الفاطميين أن يصل الصليبيين إلي رأس الحسين ، فقامت الحامية الفاطمية في عسقلان بأخذ الرأس الشريف و حملتها إلي مصر و ذلك قبل دخول الصليبيين و استيلائهم علي عسقلان عام 1153 م / 548 هج.
و لقد أمر الخليفة الفائز الفاطمي في مصر بحفظ رأس الإمام الحسين في علبة في أحد سراديب قصر الزمرد، إلي أن تم بناء مشهد لها بالقرب من الجامع الأزهر الشريف و ذلك في عام 1154 م / 549 هج ، و هو المشهد الحسيني الموجود حالياً مواجهاً لجامع الأزهر.
في بداية الأمر لم يكن هناك مسجد بجوار الضريح ، و لكن الأمراء و الحكام تسابقوا في عمارة الضريح و ما حوله حتي تحول إلي مسجد و زادوا في مساحته حتي وصل إلي شكله الحالي.
و يوجد الآن داخل الضريح حجرة التابوت التي بها رأس الإمام الحسين ، و لقد وضعت الرأس داخل التابوت علي كرسي من الأبنوس ، و هي ملفوفة في برنس أخضر ، و حولها نصف أردب من الطيب لا يفقد رائحته. أما التابوت فهو مصنوع من الخشب الساج الهندي و مكون من ثلاثة أجناب فقط و مدفون في الطبقة الثالثة من القبة.
و حالياً لم يتبق من المشهد الفاطمي للإمام الحسين سوي أحد أبوابه المعروف باسم الباب الأخضر و الذي يقع بالقرب من الركن الجنوبي للضريح ، و يعد أقدم أجزاء البناء و يرجع تاريخه إلي تاريخ بناء المشهد في العهد الفاطمي.